البنك الدولي

التحليل الاقتصادي للمشاريع

 وفق

(مناهج البنك الدولي للإنشاء والتعمير(BIRD:


مقدمة:

يهدف البنك الدولي للإنشاء للتمعير إلى إعمار وإنماء أقاليم الدول الأعضاء عن طريق استثمار رؤوس الأموال لأغراض إنتاجية، والقيام بتوجيه القروض المباشرة التي يمنحها البنك أو القروض الدولية التي يضمنها إلى المشاريع ذات الأولوية والمضمونة العائد، حيث يلاحظ أنه في البلدان النامية هناك العديد من المشاريع التي تمول من قبل وكالات المساعدات والبنوك الدولية، وبشكل خاص البنك الدولي، لذلك قام البنك بتطوير منهجية خاصة به لتقييم المشاريع[1].

أصدر البنك الدولي للإنشاء والتعمير عدداً من الكتب حول تحليل وتقييم مشاريع التنمية أهمها:


1-  "التحليل الاقتصادي للمشاريع الزراعية" لمؤلفه برايس كيتنكر (Price, Gittinger)، ويسمى المنهج التقليدي للبنك الدولي، ويستخدم للمشاريع الزراعية، بما فيها السدود التي يمولها البنك والمؤسسات التابعة له.
J. Price, Gittinger, "Economic Analysis Of Agricultural Project", Second Edition, Completely Revised and Expanded, published for the Economic Development Institute Of World Bank and The Johns Hopkins University Press, Baltimore and London, USA, 1982

2-  التحليل الاقتصادي للمشاريع " لمؤلفيه "لين سكوير" و"هيرمان فان
&quot&quot&quot&quot&quot&quot&quot&quot&quot&quot&quot&quot
ديرتاك"، ويسمى المنهج الحديث للبنك الدولي، ويستخدم للمشاريع الصناعية ومشروعات البنى الارتكازية الكبيرة التي يمولها البنك والمؤسسات التابعة له.
Lyn Squire, and Herman G. Van der Tak, "Economic Analysis of Projects", (World Bank Research Publications, the John Hopkins University Press, Baltimore: 1976
ومن الجدير ذكره أن معهد التنمية الاقتصادية (Economic Development Institute) في واشنطن التابع للبنك الدولي، يعتمد هذه الكتب بشكل أساسي في دراساته وفي برامجه التدريبية لكوادر الدول النامية[2].


وفيمايلي سيتم شرح كلا المنهجين:




1- المنهج التقليدي للبنك الدولي:


مقدمة:

وضع هذا المنهج  بشكل خاص للتطبيق على المشاريع الزراعية، التي كانت تشكل محور اهتمام البنك الدولي، إلا أن واضعي هذا المنهج يوضحون أنه ممكن التطبيق على كل أنواع المشاريع[3]. وقد نشر لأول مرة في عام 1972 (حيث طبعت هذه النسخة في معهد التنمية الاقتصادية التابع للبنك الدولي) من خلال المحاضرات والمواد التعليمية التي أعدت لدورة المشاريع الزراعية في هذا المعهد، فقد قدمت هذه المحاضرات منهجية دقيقة لتحليل المشروع وذلك بناء على جهود متخصصين زراعيين في البنك الدولي ومن كافة أنحاء العالم، كما أنها تضمنت مواضيع عن التنمية الزراعية والريفية والائتمان الزراعي والثروة الحيوانية ومشاريع الري، ووفقاً لهذه النسخة فقد تم تقديم المفهوم العام للمشروع أولاً ثم يليه ميزانيات المزارع والتحليل المالي وأخيراً التحليل الاقتصادي. أما النسخة الثانية والتي تعتبر المرجع الرئيسي* لهذا المنهج فقد صدرت في عام 1982 حيث تم التوسع بها لتصل إلى /534/ صفحة.

 وتضمنت هذه المنهجية أربعة أجزاء:
الجزء الأول يحلل مفهوم المشروع، والجزء الثاني يناقش الجوانب المالية لتحليل المشروع، الجزء الثالث يستعرض الجوانب الاقتصادية لتحليل المشروع، والجزء الرابع يتضمن إجراءات قياس قيمة المشروع.
 
وتعتبر هذه النسخة نسخة منقحة تحتوي على المزيد من المناقشة والخبرات الحديثة كما توفر معالجات أكثر تفصيل ودقة في تحديد الأسعار وقيم المنافع والتكاليف، فقد تم إضافة مواد إضافية على ميزانيات المزارع وغيرها من جوانب التحليل المالي وبعض الإضافات على منهجية مقارنة التكاليف بالفوائد، حيث تم الحرص على جعل مناقشة المواضيع التقنية مفهومة للأشخاص الذين مستواهم دون التدريب المتقدم في مجال الاقتصاد، فقد كتبت هذه النسخة لاستخدامها في الدراسة الفردية في الفصول الدراسية. لكن من جهة أخرى لم يتغير النظام التحليلي الأساسي في هذه النسخة مقارنة بالنسخة الأولى، وتم نشرها أيضاً باللغتين الفرنسية والإسبانية[4].

1-1-  الخصائص العامة لهذا المنهج:

*  يقدم المنهج التقليدي للبنك الدولي نوعين من التحليل الأول مالي والثاني اقتصادي، ومن خلال هذا التحليل يتم تقدير العائد الذي يحققه المشروع لصالح الاقتصاد القومي ككل بصرف النظر عن الجهة التي حصلت على العائد أو التي قامت بتمويل المشروع، وبذلك فهو يعتمد على معيار الكفاءة فقط كأساس قبول أو رفض المشروع حيث يتم اختيار البديل الأكثر كفاءة من وجهة نظر قومية بصرف النظر عن من يمتلك المشروع أو من يديره أو من يستلم دخله، وبذلك فهو لا يهتم بالآثار التوزيعية للمشروع سواء كان ذلك بين الاستهلاك والاستثمار أو بين أفراد المجتمع وأقاليمه[5]، فاختيار المشروع هنا لا يتم على أساس أثر المشروع على توزيع الدخول، وإنما يتم على أساس قدرته على استعمال عناصر الإنتاج النادرة بكفاءة، وخاصة فيما يتعلق بعنصر رأس المال على اعتبار أنه العنصر النادر في معظم الدول النامية، لذا يتم التركيز عند تقييم المشاريع على أساس هدف الكفاءة دون غيره من الأهداف، ويتم تحديد الأولوية للمشاريع طبقاً لمعدل العائد الداخلي[6].

*  يرى هذا المنهج أنه رغم توافقه مع معظم المناهج العالمية مثل منهج ليتل وميرليس 1974 ومنهج اليونيدو 1972 ومنهج البنك الدولي لمؤلفيه فان دير تاك ولين سكوير 1975، والتي ما تزال هذه المناهج موضع للكثير من المناقشة المهنية والعلمية، إلا أنها تعتبر أكثر تعقيداً، فالفرق بينه وبين منهج فان دير وسكوير 1975 هو أن الأخير يحدد القيم الاقتصادية بناء على أسعار الكفاءة ومن ثم يقوم بتعديل هذه الأسعار بتوزينها لحساب أثر إعادة توزيع الدخل والآثار المحتملة لمزيد من الاستثمار من الفوائد المتولدة. والحال ذاته بالنسبة لمنهج ليتل وميرليس 1974 ومنهج اليونيدو 1972.
فهذه التعديلات على الأسعار، التي يقوم بها المناهج الثلاثة المذكورة أعلاها لمعرفة الآثار على إعادة توزيع الدخل والادخار، تنطوي وإلى حداً ما تعقيداً أكثر من التعقيد اللازم لحساب أسعار الكفاءة، إضافة إلى ذلك تتضمن حتماً بعض العناصر المعتمدة على التقدير الذاتي.
أما في النظام التحليلي لهذا المنهج فإنه يتوقف عند تحليل أسعار الكفاءة ومن ثم يقترح اتخاذ قرار باختيار مشروع بين البدائل ذات العائد المرتفع والذي يحتوي على أكثر الآثار الإيجابية على توزيع الدخل والادخار وأهداف وطنية أخرى، كما أن هذا المنهج غير قابل للتكيف مع كل من منهج ليتل وميرليس ومنهج اليونيدو، رغم أنه لا توجد فروقات واختلافات مفاهيمية كبرى فيما بينهما وبين هذا المنهج، فكلا المنهجين الآخرين يوصيان بمزيد من التحسينات التي تسمح بالتأثير على إعادة توزيع الدخل والإدخار، والتي تعتبر غير موجودة في النظام التحليلي الرسمي لهذا المنهج[7].

*    المعايير التي يعتمد عليها هذا المنهج: هناك عدة معايير للتقييم يستخدمها هذا المنهج عند تقييم المشاريع هي[8]:
o   القيمة الحالية للمنافع / القيمة الحالية للتكاليف ويسمى المعيار الأساسي ويقبل المشروع إذا كان الناتج أكثر من أو يساوي الواحد الصحيح.
o   معدل العائد الداخلي على الاستثمار والذي يستخدم على مرحلتين الأولى التحليل المالي ثم تغير مدخلاته بإستخدام الأسعار الحقيقية (الظل) لتعكس وجهة نظر قومية ليستخدم في التحليل الاقتصادي ولذلك يسمى العائد الداخلي الاقتصادي حيث تقبل المشروعات التي يكون فيها معدل العائد الداخلي أكبر من تكلفة الفرصة البديلة لرأس المال.
o       القيمة المضافة لكل وحدة إنتاج وهو يساوي الفرق بين القيمة المضافة الصافية والإجمالية.

1-2-  خطوات التحليل الاقتصادي وفقاً لهذا المنهج: 

وفقاً لهذا المنهج فإن الأسعار السوقية تستخدم في التحليل المالي أما في التحليل الاقتصادي فتستخدم أسعار الظل، ويتم تعديل الأسعار المالية للأشياء المادية لتعكس القيم الاقتصادي في ثلاث خطوات وهي:
1) تعديل مدفوعات التحويل المباشر، 2) تعديل التشوهات السعرية في المواد المتداولة، 3) تعديل التشوهات السعرية في المواد غير المتداولة. هذه السلسلة من التعديلات للحسابات المالية سوف تؤدي إلى مجموعة من الحسابات الاقتصادية التي تدرج كافة القيم بأسعار الكفاءة (هذه الأسعار تستخدم الموارد أو الاستهلاك الحقيقي).
    ويتم استخدام تكلفة الفرص البديلة لتقييم كافة المدخلات والمخرجات والتي تكون منتجات وسيطة تستخدم في إنتاج بعض السلع والخدمات، أما بالنسبة لبعض السلع والخدمات النهائية فإن مفهوم تكلفة الفرصة البديلة غير قابلة للتطبيق لأن قيمة الاستهلاك هي التي تحدد القيمة الاقتصادية وليس قيمة بعض الاستخدامات البديلة، وفي هذه الحالة فإنه يتم الاعتماد على معيار "الاستعداد للدفع" (ويسمى أيضاً القيمة المستخدمة)، ويتم القيام بذلك فقط عندما تكون السلع والخدمات غير متداولة خلال جزء من حياة المشروع لأن الهدف الرئيسي من النشاط الاقتصادي للمشروع هو تلبية حاجات الاستهلاك، فكل تكاليف الفرصة البديلة تشتق من قيم الاستهلاك وبالتالي من الاستعداد للدفع[9].
وفيمايلي شرح مختصر لخطوات التحليل الاقتصادي المذكورة أعلاه[10]:        
       
1-2-1         تعديل مدفوعات التحويل المباشر:

إن الخطوة الأولى في تعديل الأسعار المالية إلى القيم الاقتصادية هي إزالة مدفوعات التحويل المباشر، وهذه المدفوعات لا تمثل استخدام موارد حقيقية وإنما تمثل فقط نقل المطالبات والاستحقاقات للموارد الحقيقية من أحد الأشخاص في المجتمع إلى شخص آخر. فالمدفوعات التحويلية الأكثر شيوعاً في المشاريع الزراعية هي الضرائب والإعانات المباشرة والمعاملات الائتمانية والتي تشمل القروض وسداد أصل الدين ومدفوعات الفائدة.

1-2-2         تعديل التشوهات السعرية في المواد المتداولة:

الخطوة الثانية هي تعديل التشوهات الموجودة في أسعار السوق للمواد المتداولة، وتعرف المواد المتداولة بأنها:
-       إذا الصادرات: سعر F.O.B < التكلفة المحلية للإنتاج، أو أن هذه المواد يمكن أن تصدر من خلال تدخل الحكومة باستخدام إعانات التصدير وما شابه ذلك.
-       إذا الواردات سعر C.I.F > التكلفة المحلية للإنتاج.
من الناحية النظرية والعملية أيضاً، تكون معالجة أسعار المواد المتداولة خلال تحليل المشروع أكثر سهولة من المواد غير المتداولة، يتم البدء بالتقييم بتحديد "سعر الحدود"، حيث يكون سعر C.I.F بالنسبة للواردات وسعر F.O.B بالنسبة للصادرات، ثم يتم تعديل سعر الحدود بحيث يضاف إليه التكاليف المحلية للنقل والتسويق بين نقطة الاستيراد أو التصدير وموقع المشروع، وبالتالي يكون النتيجة التي تم الحصول عليها هي عبارة عن سعر الكفاءة لاستخدمه في حسابات المشروع.
إذا كان المشروع المقترح ينتج سلع يمكن استخدامها في مكان السلع المستوردة (بديلة للاستيراد) فقيمة هذه السلع بالنسبة للمجتمع هي النقد الأجنبي الذي تم توفيره عن طريق استخدام الإنتاج المحلي المقيم بسعر الحدود وفي هذه الحالة هو سعرC.I.F  ، لكن، وعلى خلاف ذلك، إذا كان المشروع يستخدم مواد يمكن تصديرها فإن تكلفة الفرصة البديلة لهذه المواد بالنسبة للمجتمع هي النقد الأجنبي الذي فقد على الصادرات الضائعة بقيمة سعر الحدود وفي هذه الحالة هو سعر F.O.B.
ويتم تحويل قيمة المواد المتداولة إلى العملة المحلية باستخدام إحدى الطريقتين طريقة "معامل التحويل القياسي" أو طريقة "سعر الظل للصرف الأجنبي".

1-2-3         تعديل التشوهات السعرية في المواد غير المتداولة:

المواد غير المتداولة هي:  سعر C.I.F < التكلفة المحلية للانتاج < سعر F.O.B
أو: تكون المواد غير متداولة بسبب التدخل الحكومي عن طريق حظر الواردات والحصص وما شابه ذلك، وفي أحيان كثيرة المواد غير متداولة تكون سلع ضخمة مثل القش أو الطوب، التي بطبيعتها تميل إلى أن تكون أرخص في حال أنتجت محلياً بدلاً من استيرادها حيث سعر تصديرها أقل من تكلفة الإنتاج المحلي، كما يمكن أن تكون المواد غير متداولة مثل البضائع القابلة للتلف كالخضار الطازجة أو الحليب السائل.
     إن تعديل أسعار السلع المتداولة إلى القيم الاقتصادية يتم بسهولة أكبر من تعديل أسعار السلع غير المتداولة، وفيمايلي معالجة بعض الصعوبات التي يمكن مواجهتها في تحديد القيم الاقتصادية للمواد غير المتداولة:
-       أسعار السوق وتقديرات القيمة الاقتصادية: في السوق التنافسية التامة تكون تكلفة الفرصة البديلة لمادة ما هي سعرها ويكون هذا السعر مساوياً لقيمة الناتج الحدي لهذا المادة، وفي حال تم شراء وبيع مادة غير متداولة في سوق تنافسية نسبياً فإن سعر السوق هو مقياس مدى الاستعداد بالدفع ويعتبر تقدير أفضل من تكلفة الفرصة البديلة.

1-3-  تقييم الأرض:

  هنالك ثلاثة بدائل يمكن أخذها بالحسبان في إعطاء قيمة حقيقية للأرض الزراعية هي:

                أ‌-  كلفة شراء الأرض وأخذها بالحسبان ككلفة رأسمالية تنفق مرة واحدة في بداية المشروع، وهذا البديل سهل التطبيق إلا أنه يفترض أن سوق الأراضي الزراعية سوقٌ تنافسي حر.
            ب‌-    تقييم الأرض على أساس سعر إيجارها السنوي وأخذه ككلفة سنة بعد أخرى طيلة فترة تشغيل المشروع.
              ت‌-  تقييم الأرض على أساس صافي قيمة الإنتاج الذي تم التخلي عنه عند تخصيص تلك الأرض للمشروع تحت الدراسة، أي كلفة الفرصة الضائعة، وأخذها ككلفة سنوية عند تشغيل المشروع.
    كما أن زيادة قيمة الأرض خلال العمر الاقتصادي للمشروع تخلق مشكلة أيضاً ومع ذلك فإن تغير قيمة الأرض بالمقارنة مع القيم الأخرى في المشروع هو تغير حقيقي ويجب أخذه بالحسبان وتضمينه في عملية التحليل الاقتصادي والمالي للمشروع.

1-4-    تقييم العمل: 

          إن تكلفة الفرصة البديلة هي التي تحدد قيمة العمل سواء دفعت نقداً أم عيناً.

1-5-  المواد القابلة للتداول لكنها غير متداولة: 

        تقييم هذه المواد كونها مواد غير متداولة.

1-6- المواد المتداولة بشكل غير مباشر:  

       هناك بعض المواد غير المتداولة تنطوي على محتوى مستورد كبير وتداول بشكل غير مباشر، ومن أجل تقييم هذه المواد يتم تحليلها إلى مكون محلي ويعتبر كمادة غير متداولة، ومكون مستورد ويعتبر مادة متداولة.

1-7- التأمين: 

       هناك عنصر واحد غير متداول يمكن أن يسبب بعض الإرباك هو التأمين، فللوهلة الأولى قد يبدو التأمين عبارة عن شكل من أشكال المدفوعات المنقولة وبالتالي يجب أن لا يدرج في الحسابات الاقتصادية للمشروع، لكن في الحقيقة يجب أن يعامل التأمين كنوع من تقاسم مخاطر الخسارة الاقتصادية الحقيقية (أي يجب إدراجه ضمن تكاليف المشروع عند إجراء التحليل الاقتصادي)، كحالة التأمين ضد الحريق، ففي حال حدوث حريق فسيكون هناك تكلفة اقتصادية حقيقية كالموارد المستخدمة لاستبدال المبنى المحروق أو الإنتاج الضائع بسبب عدم وجود المبنى، أو انخفاض السلع والخدمات النهائية المتاحة للمجتمع وبالتالي انخفاض حقيقي للدخل القومي.

1-8- تقييم التكاليف والفوائد غير الملموسة: 

        في مشاريع التنمية الريفية غالباً ما تكون المكونات، التي تنتج فوائد غير ملموسة، بالكاد ضرورية لتحقيق أهداف الإنتاج الرئيسة في هذه المشاريع، حيث تعتبر هذه المكونات صغيرة نسبياً بالمقارنة مع التكاليف الإجمالية للمشروع، وبالتالي يتم تجاهل مشكلة تقييم الفوائد غير الملموسة.
    أما إذا كانت تشكل هذه العناصر جزءاً كبيراً من إجمالي تكلفة المشروع فإنه ربما يجب فصلها ومعاملتها على أساس "الأقل تكلفة"، والحال ذاته عندما تكون كامل منتجات المشروع منتجات غير ملموسة مثل مشاريع الإرشاد والتعليم الزراعي ومشاريع إمدادات المياه في المناطق الريفية[11].

1-9-   معدل الخصم :

بالنسبة للتحليل الاقتصادي في هذا المنهج هناك معدلين يمكن أن يتم اختيارهما والمعدل الثالث في بعض الأحيان يتم اقتراحه، وهذه المعدلات هي:
             أ‌-   يرى هذا المنهج أن أفضل معدل للخصم هو تكلفة الفرصة البديلة لرأس المال، وهذا المعدل يسمح بالاستفادة من جميع روؤس الأموال الموجود في الاقتصاد إذا كانت الاستثمارات الممكنة تحقق عائد جيد.
                                   ب‌-       أو يمكن استخدام معدل خصم ثاني وهو معدل الاقتراض الواجب دفعه لتمويل المشروع المقترح، وهذا المعدل يكثر استخدامه عندما تتوقع البلاد الاقتراض من الخارج لتمويل مشاريع الاستثمار.
            ت‌-  أما المعدل الثالث المقترح هو معدل التفضيل الزمني الاجتماعي بحيث يكون معدل الخصم أقل وهذا سيؤدي إلى استخدام المشاريع العامة أكثر من المشاريع الخاصة مما يسبب بعض المشاكل في التخصيص من الناحيتين العملية والنظرية، لذلك يفضل هذا المنهج معدل تكلفة الفرصة البديلة لرأس المال فهذا المعدل مؤخوذ من كل أنشطة الاستثمار سواء كانت خاصة أو عامة كما يعطي نفس الوزن للعائدات المستقبلية من كلا النوعين من هذه الأنشطة[12].

شجرة قرار تحديد القيم الاقتصادية:

المخطط التالي والمكون من أربعة أجزاء يظهر "شجرة القرار" لتحديد القيم الاقتصادية، فمعظم قضايا التقييم الاقتصادي في المشاريع الزراعية يشملهم هذا المخطط:

الشكل (2-1) "شجرة القرار" لتحديد القيم الاقتصادية وفق المنهج التقليدي للبنك الدولي[13]

 
 



2- المنهج الحديث للبنك الدولي:

مقدمة:

نتيجة الانتقادات التي وجهت للمنهج التقليدي للبنك الدولي وفي مقدمتها اعتماده عند تقييم المشاريع على هدف الكفاءة دون غيره من الأهداف، فقد قام البنك الدولي بتطوير أسلوبه وذلك بوضع المنهج الحديث* ونشر في كتاب بعنوان "التحليل الاقتصادي للمشروعات" تأليف "هيرمان فان ديرتاك" و"لين سكوير" في شباط 1975، والذي يختلف عن المنهج التقليدي بإدخاله ثلاثة أهداف عند القيام بتحليل وتقييم المشروع وهي الكفاءة والنمو وعدالة التوزيع.      
    ويحدد هذا الكتاب النهج العام للتحليل الاقتصادي لمشاريع التنمية التي يوصي باستخدامه المؤلفون داخل البنك إضافة إلى الوكالات الأخرى الدولية والمحلية التي تشارك في تقييم المشاريع. ويحتوي هذا الكتاب (153 صفحة) على ثلاثة أجزاء: المفاهيم الأساسية للتحليل والفوائد، اشتقاق أسعار الظل، تقدير أسعار الظل، إضافة إلى وجود ملحق: الاشتقاق الفني لأسعار الظل.

1-             الخصائص العامة لهذا المنهج:


*  الاهتمام بقياس آثار توزيع الدخل بين الاستهلاك والاستثمار وبين فئات الدخل المنخفض وفئات الدخل المرتفع، على أساس أن هذا التوزيع هو الذي يحدد النمو، ولذلك يعطي الدخل الادخاري وزناً نسبياً أعلى من الدخل الاستهلاكي وذلك في حال قصور معدلات الادخار عن مواكبة معدلات الاستثمار اللازمة لتحقيق أهداف التنمية.

*  يفترض أن السياسات المالية والنقدية التي تتبعها حكومات الدول النامية هي السبب التي تؤدي الى قصور المدخرات لذلك يجب أن يستخدم منهج التقييم كوسيلة لتوزيع الدخل بشكل يزيد من معدل تراكم المدخرات ومن ثم الاستثمارات.

*  يهتم هذا المنهج بأن تعمل أهدافه الثلاثة بشكل متكامل عند اختيار المشاريع، بحيث تعالج هذه الأهداف الواحد تلو الآخر، حيث يتم أولاً اختبار هدف الكفاءة، ثم اختبار آثار المشروع على الإدخار، ثم آثار المشروع على توزيع الدخل لتحقيق هدف عدالة التوزيع، ويتم ذلك باستخدام أوزان ومعايير مختلفة[14].

*  السياق السياسي وتدفق المعلومات**: بالنسبة للسياق السياسي المتبع في تحديد القيم وفقاً لهذا المنهج فهو "جنباً إلى جنب" (side to side)، فهو يفترض قدراً كبيراً من المسؤولية المشتركة بين الوكالات الدولية والوطنية في تقييم واختيار وتصميم المشروع. حيث يتم، وبشكل تعاوني فيما بينهما، وضع الأوزان والأحكام لتعكس أهداف كل من الحكومة الوطنية ووكالة الإقراض[15].

*    يتم تقييم تكاليف ومنافع المشاريع على ثلاث خطوات متعاقبة[16]:
          أ‌-      التقييم المالي والتجاري باستخدام أسعار السوق.
       ب‌-  التقييم الاقتصادي أو تقييم الكفاءة، حيث يتم اختيار المشروعات على أساس التخصيص الأمثل للموارد من خلال استخدام "أسعار الظل" بدون الأخذ بالحسبان آثار توزيع الدخل.
       ت‌-    التقييم الاجتماعي والذي يأخذ بالحسبان آثار توزيع الدخل من خلال إعطاء أوزان ملائمة لتكاليف ومنافع المشروع.
ويتم تحويل أسعار السوق إلى أسعار اقتصادية بواسطة استخدام نسب محاسبية ملائمة يطلق عليها معاملات التحويل.

*  مقارنة تكاليف وفوائد المشروع (معايير الاستثمار): هناك ثلاثة معايير يستخدمها هذا المنهج في تحديد فيما إذا كان المشروع المقترح يمثل استخدام جيد للموارد أم لا، وهذه المعايير هي[17]:
أ‌)  صافي القيمة الحالية ومعدل العائد الاقتصادي، ب ) المشروع الأقل تكلفة، جــ) عائد السنة الأولى من حياة المشروع.
لا تعتبر الطريقتان الثانية والثالثة بديلاً عن الطريقة الأولى وإنما هما مكملاتان لها.

2-    أسس أسعار الظل لمنافع وتكاليف المشروع:


2-1 السلع والخدمات:

على الرغم من أن هذا المنهج أدخل مفاهيم جديدة في عملية تقييم المشاريع إلا أنه اشترك مع منهجي اليونيدو وليتل وميرليس في مفاهيم عديدة[18]. وقد اعتمد في معظم افتراضاته على منهج ليتل وميرليس وتشابه معه إلى حد كبير في جوانب كثيرة أهمها[19]:
o   جوهر منهج ليتل وميرليس هو استخدام أسعار الظل في تقييم مدخلات ومخرجات المشروع بأسعار السوق العالمية، وقد تم الاعتماد على هذه الاستراتيجية أيضاً في هذا المنهج مع تعديلات بسيطة.

o   تقييم السلع المتداولة: يتم وفق منهج ليتل وميرليس مع إجراء بعض التعديلات البسيطة، فبالنسبة للسلع المتداولة يتم تقييم التكلفة والعائد بأسعار الحدود، وهي الأسعار السائدة في السوق العالمية، مع إجراء بعض التعديلات عليها والمتعلقة بتكاليف النقل من أو إلى الحدود.

o   أما السلع والخدمات غير المتداولة (مثل الطاقة الكهربائية والأبنية) فتقسم وتحلل إلى المدخلات المكونة لها وصولاً إلى سلع يحتمل أن تكون متداولة وعمالة غير ماهرة، في منهج ليتل وميرليس يستمر هذا التقسيم لغاية التوصل إلى أن كل مادة تتكون من فئتين: الأولى السلع المتداولة والثانية العمالة غير الماهرة، أما في هذا المنهج فالأمر يختلف قليلاً فبعد التقسيم الأول يتم تقدير قيمة السلع والخدمات غير المتداولة باستخدام عوامل التحويل والتي تساوي بين هذه القيم وبين الأسعار العالمية للمواد القابلة للمقارنة.

o   سعر الظل للعمل غير الماهر: يتحدد بتكلفة الفرصة البديلة.

2-2 معامل التحويل المعياري:

من المستحسن وبشكل عام أن تقدر أسعار محاسبية مختلفة لمختلف البضائع غير المتداولة، لكن من المفيد أن يكون هناك معامل تحويل معياري يمكن استخدامه لكافة المواد غير المتداولة، والذي يساوي نسبة قيم جميع الصادرات والواردات بأسعار الحدود إلى قيميهم بالأسعار المحلية. ويلاحظ أن معامل التحويل المعياري على علاقة قوية مع سعر الظل للصرف الأجنبي والمعادلة التالية توضح ذلك[20]:
SCF / OER = 1 / SER
حيث:
SCF: معامل التحويل المعياري
OER: سعر الصرف الرسمي
SER: سعر الظل للصرف

2-2          كيفية معالجة بعض تكاليف ومنافع المشروع:

*  المدفوعات التحويلية: هناك بعض المدفوعات التحويلية التي لا تشكل أية مطالب مباشرة على موارد البلاد الاقتصادية وإنما هي عبارة عن نقل السيطرة والتحكم على المورد من شخص لآخر أو من قطاع إلى قطاع آخر في المجتمع وبالتالي فهي لا تشكل أية تكلفة اقتصادية، ومن الأمثلة على هذه المدفوعات دفع الفائدة على قرض محلي، سداد هذا القرض، مخصصات الاستهلاك، الضرائب، الإعانات. فالتكلفة المالية تحدث عند سداد القرض في حين تحدث التكلفة الاقتصادية عندما ينفق هذا القرض. لكن هناك استثناء لهذه القاعدة وهو أن المدفوعات التحويلية مثل الضرائب والإعانات لا تشكل تكلفة موارد لكن لديهما تأثير على توزيع الدخل وعلى الادخار، وفي حال رغبت الحكومة باستخدام طريقة اختيار المشاريع كوسيلة لتحسين توزيع الدخل أو لزيادة الادخار فعندئذ ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار (هذه المدفوعات التحويلية) عند تحديد التكاليف والفوائد المترتبة على المشروع وأن تنعكس في أسعار الظل لمعامل المدخلات والدخول[21].

*    مخصصات الطوارئ: ينبغي أن تدرج في التحليل الاقتصادي للمشروع[22].

*  التكاليف الغارقة (sunk cost): هناك بعض التكاليف التي تم تكبدها بالماضي قبل تقييم المشروع ولا يمكن استردادها أو تجنبها (مثل استخدام المرافق الموجود بالفعل قبل المشروع، أو إيجار المصنع المفوع مقدماً) وفي الغالب تكون تكاليف ثابتة، تدعى التكاليف غارقة (sunk cost)، ينبغي أن لا تدرج هذه التكاليف عند حساب تكلفة المشروع، كما يجب استبعادها عند اتخاذ القرار[23].

*  العوامل والتأثيرات الخارجية والترابطات: هناك آثار خارجية معينة للمشروع لا يترتب عليها أية تكلفة أو فائدة ضمن حدود هذا المشروع، لكن هذه الآثار في حال كانت تؤثر على أهداف البلاد إما سلباً أو إيجاباً فيجب أن تدرج في التحليل الاقتصادي علماً أنها في بعض الأحيان يتواجد صعوبة في تحديدها وقياسها. مثال: التلوث، والازدحام، واستخدام المياه التي تؤثر على المحاصيل الزراعية في أماكن أخرى[24].

*  التأثيرات الدولية: بعض الآثار الخارجية للمشروع قد تمتد خارج حدود البلد المعني، على سبيل المثال عندما تكون مخرجات المشروع بديلة عن الاستيراد أو أنها تؤدي إلى زيادة الصادرات فإنها ستؤدي إلى خفض الأسعار العالمية وبالتالي تستفيد البلدان المستوردة وتتضرر البلدان المصدرة، أو قد يؤثر المشروع سلباً أو إيجاباً على بيئة البلد المجاورة. فالتكاليف التي تتحملها الدول الأجنبية أو المشاركين الأجانب في المشروع، فضلاً عن الفوائد التي تعود لهم، مستثناة من التحليل الاقتصادي للمشروع[25].





[1]Chawla, Krishan, 1990, op, cit, p 14
[2] كجة جي، صباح اسطيفان، 2008، مرجع سبق ذكره، ص 191.
[3] علام، سعد طه، 2006، "دراسات الجدوى وتقييم المشروعات"، دار الفرقد، دمشق، ص 258.
* اسم المرجع:
Gittinger, J.Price, 1982, "Economic Analysis Of Agricultural Project", Second Edition, Completely Revised and Expanded, published for the Economic Development Institute Of World Bank and The Johns Hopkins University Press, Baltimore and London, USA.
[4] Gittinger, J.Price, 1982, op.cit, p: xv
[5] علام، سعد طه، 2006، مرجع سبق ذكره، ص 258.
[6] محمد، عمرو هشام ، 2008، مرجع سبق ذكره، ص 26.
[7] Gittinger, J.Price, 1982, op, cit,  p: xiv, 246
[8] علام، سعد طه، 2006، مرجع سبق ذكره، ص 258.
[9] Gittinger, J.Price, 1982,op, cit, P: 244-245
[10]  المرجع السابق، ص 251 – 265
[11]  Gittinger, J.Price, 1982, op, cit, p: 281, 284
[12] المرجع السابق، ص 314
[13] Gittinger, J.Price, 1982, "Economic Analysis Of Agricultural Project", Second Edition, Completely Revised and Expanded, published for the Economic Development Institute Of World Bank and The Johns Hopkins University Press, Baltimore and London, USA, p:282-283
*  اسم المنهج :
Squire, Lyn, & G. Van der Tak, Herman, 1976 ,"Economic Analysis of Projects", (World Bank Research Publications, the John Hopkins University Press, Baltimore.
[14]  علام، سعد طه، 2006، مرجع سبق ذكره، ص 259- 260.
** السياق السياسي لمنهج اليونيدو هو "من الأسفل إلى الأعلى"، أما منهج ليتل وميرليس فهو "من الأعلى إلى الأسفل".
[15]Edited by D. Donahue, John, 1980, op, cit, P  74-75
[16] كجة جي، صباح اسطيفان، 2008، مرجع سبق ذكره، ص 193.
[17] Squire, Lyn, & G. Van der Tak, Herman, 1976 , op, cit, p 39
[18] Chawla, Krishan, 1990, op, cit, p 14
[19] Edited by D. Donahue, John, 1980, op, cit, P 72-74
[20] Squire, Lyn, & G. Van der Tak, Herman, 1976, op, cit, p 93
[21] Squire, Lyn, & G. Van der Tak, Herman, 1976, op, cit, p 19-20
[22] المرجع السابق، ص 20 – 21
[23] المرجع السابق، ص  21   
[24] المرجع السابق، ص  21 -22
[25] المرجع السابق، ص  22 – 24 
مروان المعلم / ماجستير بالاقتصاد المالي والنقدي
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع آفاق .

جديد قسم : التحليل الاقتصادي للمشاريع (الربحية القومية)

إرسال تعليق