معايير تمويل المشاريع في الإسلام
يمكن تقسيم المعايير التي تحكم التمويل
في الإسلام والمعتمد عليها في اتخاذ القرارات الاستثمارية والتمويلية إلى
ثلاث مجموعات رئيسية من المعايير هي[1]:
1-1
المجموعة الأولى:
المعايير ذات العلاقة بالشخص طالب التمويل.
1-2
المجموعة الثانية: المعايير
ذات العلاقة بالنشاط الاستثماري المزمع تمويله.
1-3
المجموعة الثالثة: المعايير
ذات العلاقة بالمجتمع.
فيمايلي شرح كل
منها:
1-1 المجموعة
الأولى: المعايير ذات العلاقة بالشخص طالب التمويل:
يطلق على هذه المعايير بمعايير تقييم العملاء،
وأهمها[2]:
·
تقييم السمعة الأدبية (مدى الحرص على السداد).
·
تقييم الملاءة المالية (من حيث رأس المال والتدفق النقدي ومدى متانة
الضمانات وسلامتها القانونية).
·
التأكد من الكفاءة الإدارية والتسويقية (إتقان العميل للعمل الذي سيقوم
به).
·
المصداقية التي يتمتع بها العميل.
ويطلق البعض الآخر على هذه المعايير بمعايير
حسن اختيار الشركاء وقد أصطلح على تسميتها بمبدأ 5C وتشمل[3]:
رأس المال (Capital)، الصفات
الأخلاقية (Character)، المقدرة (Capacity)، الظروف (Condition)، الضمانات (Collaterals).
فالتمويل الإسلامي
يؤكد على أن نجاح المشروعات التي يدخل في تمويلها يعتمد اعتماداً كبيراً على حسن
اختيار الشركاء.
1-2 المجموعة
الثانية: المعايير ذات العلاقة بالنشاط الاستثماري المزمع تمويله:
هناك
مجموعة من المعايير التي يتبعها المنهج الإسلامي لدراسة جدوى النشاط الاستثماري
المزمع تمويله وهي:
أ) معايير شرعية،
ب) معايير مالية،
جــــ) معايير اقتصادية.
وفيمايلي
شرح كل منها:
1-2-1
المعايير
الشرعية:
1-2-1-1 المشروعية:
يقصد بها أن يكون مجال الاستثمار مشروعاً لا يتعارض مع نص صريح في القرآن الكريم أو السنة النبوية أو اجتهاد فقهاء المسلمين، ويذكر مع المشروعية القاعدة الشرعية التي
تقضي: بأن الأصل في المعاملات الحل والإباحة ما لم يرد بشأنه نص صريح بالتحريم.
فجوهر هذا المعيار
يدور حول قاعدة الحلال والحرام في الإسلام، وهذا يتطلب أن كل ما يتعلق بالمشروع
ينبغي أن يقع في دائرة الحلال، وأن ينأى عن دائرة الحرام، وألا يحوم حول دائرة
الشبهات، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: "الحلال بين والحرام بين وبينهما
أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه،
ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام"، ويشمل هذا المعيار عدة معايير فرعية لعل أهمها[4]:
-
أن لا يكون الاستثمار منهي عنه شرعاً وصراحة.
-
أن يكون إنتاج
المشروع الاستثماري المراد تمويله من الطيبات.
-
كما يجب أن تكون
الخدمات وعناصر الإنتاج الداخلة أو الخارجة في / من المشروع المراد تمويله مشروعة
إسلامياً، ومن ثم فإن السلع والخدمات التي ينتجها أو يتعامل فيها المشروع
الاستثماري يجب أن تقع في دائرة الحلال.
- ليس هذا فقط بل إن
العمليات التشغيلية والتصنيعية والمعالجية التي تتوسط المدخلات والمخرجات ينبغي أن
تكون هي الأخرى حلالاً.
-
أن يكون الهدف من المشروع مقبول شرعاً وأن لا يكون فيه ضرر للمسلمين أكثر من نفعه لهم وعلى سبيل المثال لا يجوز الاستثمار في مشروع يضيع أوقات المسلمين بدون جدوى.
1-2-1-2 الأخذ
بمبدأ المشاركة في الربح والخسارة بدلاً من فائدة ثابتة:
من أهم القواعد الشرعية التي تحكم الاستثمار في الإسلام "قاعدة الغنم
بالغرم" ومعناها من ينال شيء يتحمل ضرره، ويمثل الأخذ بهذا المبدأ جوهر
الاقتصاد الإسلامي، فالإسلام يشجع على كسب الربح لكنه يحظر الفائدة[5].
1-2-1-3 اختيار
سلع وخدمات المشروع وفق الأولويات الإسلامية[6]:
إن أول خطوة في اختيار المشروع الاستثماري هي تحديد
السلع والخدمات التي سينتجها. ويرى الكثير من الاقتصاديين المسلمين أن التقسيم
الرئيسي للسلع (أوالخدمات) من وجهة النظر الإسلامية هو تقسيم ثنائي: خبائث أي سلع
محرمة ممنوع إنتاجها وتداولها، وما سواها فهو طيبات أي سلع حلال يباح إنتاجها
وتداولها. وقد وجد المفكرون الإسلاميون من استقراء تعاليم الإسلام أن المصلحة
الاجتماعية في الإسلام لها ثلاثة مستويات: الضروريات ثم الحاجيات ثم التكميليات.
وقام الدكتور أنس الزرقا* اعتماداً على هذا الأساس بترتيب الأولويات
الاقتصادية للسلع والخدمات إسلامياً (الأهم فالمهم) بالصورة التالية:
أ- الضروريات: إن توفير الحد
الأدنى من الأهداف التالية يعتبر من الضروريات وتمثل فرضاً واجب التنفيذ:
1.
توفير أمن
المواطن على حياته وعرضه وماله وحقوقه الإسلامية وتوفير الأمن الخارجي.
2.
توفير وسائل
حفظ الصحة ومعالجة المرض.
3.
الغذاء
والكساء.
4.
نشر المعرفة
والتربية في أمور الدين والدنيا.
5.
المأوى.
هناك أدلة إسلامية متعددة على أهمية الأهداف الثلاثة
السابقة، أكثرها صراحةً قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:
"من أصبح آمناً في سربه، معافى في بدنه، مالكاً قوت يومه فكأنما حيزت له
الدنيا بحذافيرها".
ب- الحاجيات:
ما
زاد عن الحد الأدنى من الأهداف المذكورة أعلاه تمثل حاجيات وتعتبر من قبيل السنة
المؤكدة.
ت- التكميليات
(أو الكماليات): ما زاد عن الحاجيات يمثل تكميليات وهي
من قبيل المستحب أو المباح.
يلاحظ أنه في حال كان المشروع يمول من
الموارد العامة للمجتمع أي تقوم الدولة بتنفيذه، فلا يجوز شرعاً صرف هذه الموارد
لإنتاج سلعة كمالية قبل كفاية كل فرد في المجتمع من السلع الضرورية. هذا في حال
كانت المشاريع تمول من قبل الدولة، أما في حال كانت المشاريع تمول من قبل الأفراد
(مشاريع خاصة) فهل يمنع إنتاج السلع الكمالية قبل توفير حاجة المجتمع من الضروريات
والحاجيات؟ إن الإجابة على هذا السؤال يتطلب ذكر مبدأ هام لا خلاف فيه وهو: حق
المسلم في مزاولة العمل الحلال، سواء كان ضرورياً للمجتمع كإنتاج الخبز أوكمالياً
كإنتاج الزهور، حق صريح ولا يجوز سلبه.
وفي الوقت ذاته فإن دور
الدولة في هذه الحالة يمكن أن يتخذ عدة أشكال منها:
- في حال كان المشروع الخاص يحتاج إلى دعم من الأموال
العامة فلا يجوز تقديم هذا الدعم إلا وفق الأولويات الإسلامية المطبقة على
المشاريع العامة.
- بإمكان الدولة تشجيع المشاريع ذات الأولوية وتثبيط سواها
باستخدام الوسائل غير المباشرة قبل اللجوء إلى أسلوب التقييد المباشر، فهناك طرق
عديدة منها وضع حوافز للاستثمار في مجال الضروريات وفرض ضرائب باهظة على المجالات
التكميلية.
أخيراً لا بد من ضرورة معرفة المسلم أنه عندما
يقوم بمشروع خاص من خالص ماله، فإن درجة ثوابه عليه خاضع للأولويات الإسلامية حتى
ولو لم يكن من حق الدولة إلزامه بما هو أولى.
يلاحظ أنه
بتطبيق هذه المعايير الشرعية، وجود مشاريع كثيرة ترفض رغم أنها تدر ربحاً مادياً مضموناً
وتتصف بالأمان والسيولة ولكنها مخالفة للشرعية الإسلامية.
1-2-2
المعايير
المالية:
إن
أهم ما يتصف به تقييم المشاريع من وجهة النظر الاسلامية هو أنه يُعدل من المعايير
المالية بحيث تستجيب للمتطلبات والأحكام الشرعية، وسيتم البحث في هذه الفقرة
معايير التقييم المالي من وجهة النظر الإسلامية باستخدام نفس المنهج التقليدي في
التمييز بين مجموعتين من المعايير هما[7]:
1-2-2-1
معايير
التقييم البسيطة في ضوء أحكام الشريعة الاسلامية:
وتتضمن هذه المعايير:
· فترة الاسترداد (Pay Back Period /PBP/).
· معدل
العائد البسيط (المحاسبي) على الاستثمار (Accounting
Rate of Return /ARR/).
يعتبر
هذان المعياران مقبولين من الناحية الشرعية ويمكن استخدامهما لغايات التقييم من
وجهة النظر الإسلامية بشرط استبعاد الفوائد وما في حكمها للتوصل إلى التدفق النقدي
أو الدخل المحاسبي.
يلاحظ أن إجراء هذا الاستبعاد ليس بهذه
البساطة، فالمسألة هنا ليست مجرد عمليات حسابية (جمع وطرح) فقط، فاستبعاد الفوائد
يقتضي استبعاد المعاملات المالية التي تولدت الفوائد عنها. وقد سهلت الشريعة
الإسلامية هذا الأمر حيث قدمت وسائل وأدوات أخرى بديلة أصبحت معروفة الآن بفضل
إنشاء المصارف الإسلامية كالمضاربة والمشاركة والاستصناع والسلم وغيرها.
1-2-2-2
المعايير
المعتمدة على خصم التدفقات النقدية ضمن أحكام الشريعة الإسلامية:
تعتمد هذه
المجموعة من المعايير على ثلاثة أسس هي: التدفق النقدي، الخصم (القيمة الزمنية
للنقود)، معدل الخصم. وتضم الطرق المعتمدة على خصم التدفقات النقدية مؤشرين
أساسيين هما:
·
صافي القيمة
الحالية/NPV/ Net Present Value .
·
معدل العائد
الداخلي/IRR/ Internal Rate of Return.
يتميز
هذان المؤشران في أنهما يعتمدان على كل التدفقات النقدية كما أنهما يعتمدان على
القيمة الزمنية للنقود، ويلاحظ أن كلا المؤشران يعتمدان على معدل خصم للتدفق
النقدي يتم تحديده بالاعتماد على سعر الفائدة الذي يعتبر محرماً من الناحية
الشرعية. فإذا كان مفهوم التدفق النقدي يعتبر مقبولاً من الناحية الشرعية بشرط
مراعاة استبعاد المكونات التي لا تقرها الشريعة الإسلامية مثل الفوائد وأية
معاملات أخرى باطلة أو محرمة شرعاً، فما هو موقف الشريعة الإسلامية من القيمة
الزمنية للنقود؟ وما هو معدل الخصم المقبول في حال اعتبار أن هناك قيمة زمنية
للنقود؟*
1-2-3
المعايير
الاقتصادية:
1-2-3-1 حفظ
المال:
الاستثمار
الإسلامي يقوم على التقليب والمخاطرة، ويجب أن يكون هناك توازناً بين نسبة المخاطر
والأغراض الاستثمارية ومنها الربحية، فلا يجب الدخول في مخاطر غير مجدية والتي
تؤدي إلى هلاك المال، ومن ناحية أخرى يجب اتخاذ التدابير المختلفة للمحافظة على
المال من السرقة والابتزاز وأكله بالباطل.
1-2-3-2 تنمية
المال:
(معيار تحقيق الربحية التجارية):
يقصد بذلك إختيار المشروعات الإستثمارية التي تحقق عائداً اقتصادياً مقبولاً بجانب العوائد
الاجتماعية، وعدم اكتناز المال وحبسه عن وظيفته التي خلقها الله له، فبذلك يعتبر تحقيق الربح من المعايير الهامة عند
اختيار المشروعات الإستثمارية بغية تحقيق الخير للمجتمع الإسلامي.
1-2-3-3 التوازن في تمويل
المشروعات (التنوع):
يقصد به التوازن عند توجيه الأموال المتاحة
للإستثمارات بين العائد
الاجتماعي والعائد الاقتصادي، وبين الاستثمارات قصيرة الأجل والمتوسطة والطويلة، وبين مصالح الأجيال
الحاضرة والأجيال المقبلة، وكذلك التوازن بين صيغ الاستثمار ومجالاته،
فتنوع صيغ الإستثمار سيساهم في تحقيق ضابط المحافظة على المال وتنميته ويقلل من المخاطر
ويؤدي إلى إشباع حاجات المجتمع على الوجه المعقول.
1-2-3-4 توزيع عوائد الاستثمارات على أساس الغنم بالغرم:
والمقصود بـ
"الغنم بالغرم" هو تحميل الفرد من الأعباء بقدر ما يأخذ من الميزات
والحقوق بحيث تتعادل كفتا الميزان، ويتم توزيع عوائد الاستثمارات على أطراف العملية الاستثمارية على
أساس: بقدر ما يغنم صاحب المال من أرباح ومزايا في حالات الرواج واليسر، بقدر ما يجب أن يتحمل من خسائر في حالات الكساد
والعسر، فلا ربح إلا إذا تحمل مخاطر الخسارة، وهذا يخالف النظام الربوي الذي يضمن فائدة دائمة لرأس المال بصرف النظر عن نتيجة التشغيل.
1-2-3-5 توثيق العقود:
يقصد بذلك أن يعلم كل طرف من أطراف العملية الاستثمارية مقدار ما يساهم به من مال ، وما سوف يأخذه من عائد أو كسب، ومقدار ما سوف يتحمل به من خسارة إذا حدثت، وأن يكتب ذلك في عقود منضبطة حتى لا يحدث جهالة وغرر ويؤدي
ذلك إلى شك وريبة ونزاع.
1-2-3-6 معيار تحقيق الكفاءة الإنتاجية
والاقتصادية:
يرتبط هذا
المعيار بصورة مباشرة بمصلحة الممول للمشروع، وبصورة غير مباشرة بمصلحة المجتمع،
ويمكن تقسيم الكفاءة الاقتصادية الواجب تحقيقها وتحسينها إلى نوعين:
أ- الكفاءة التخصصية: وهي الكفاءة التي تتعلق بإنتاج أحسن
مزيج من السلع والخدمات باستخدام أفضل مزيج من عناصر الإنتاج.
ب- الكفاءة الفنية: وتعني إنتاج نفس الكمية وبذات الجودة من
المنتج ولكن باستخدام كمية أقل من عناصر الإنتاج، وذلك بفضل الإدارة الجيدة
والعمالة المدربة والخامات المناسبة والتشغيل الجيد.
يتضح أن هذا هو المعيار الوحيد لدى الاقتصاديين
الوضعيين لتفضيل وضع اقتصادي على آخر، أما في الاعتبار الإسلامي فهو معيار هام
لكنه ليس المعيار الوحيد أو الأول.
1-3 المجموعة
الثالثة: المعايير ذات العلاقة بالمجتمع:
لا
يعد المشروع الاقتصادي مشروعاً ناجحاً وفق المنهج الإسلامي إلا إذا ترافق ناجحه
الاقتصادي بنتائج إيجابية على الحياة الإنسانية والوسط الاجتماعي المحيط به، فالمشروع الإسلامي لا يستهدف فقط تعظيم الربح وإنما هو
ملزم بمراعاة ما يعود على المجتمع من منافع اقتصادية واجتماعية لتحقيق أكبر نفع
ممكن.
إن عدم
التمسك بهذا المعيار أو الضابط يعد إخلالاً بإحدى المتطلبات الأساسية المميزة
للمشاريع الاستثمارية الممولة إسلامياً، ويترتب على ذلك أن يحكم ويضبط التمويل
الإسلامي في هذا الصدد بالمعايير والضوابط التالية أهمها[9]:
1-3-1 معيار استهداف التمويل الإسلامي للعنصر البشري:
فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتداوي
والعناية بقواهم الجسمية والعقلية والنفسية للقيام بواجباتهم تجاه أنفسهم وأسرهم
ومجتمعاتهم، وقد بين الإسلام بعض الأمور التي يتيسر بها أمر الوقاية من الأمراض
المختلفة لعل أهمها وجوب طهارة البدن والثوب والأدوات والمكان من الأقذار
والنجاسات والأتربة، كما أمر أتباعه بإماطة الأذى عن الطريق ورغبهم في تربية
أبدانهم وتقوية أجسامهم.
فالإسلام عنى بتوجيه التمويل إلى الاستثمار في
الإنسان بجوانبه المختلفة سالفة الذكر والتي يجب أن تساهم المشروعات الاستثمارية
الممولة في تحقيقها بما يؤدي إلى تحسين نوعية القوة العاملة، ومن ثم زيادة كفاءتها
وزيادة إمكانيات التقدم الفني لها، الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة
إنتاجية الموارد الاقتصادية المختلفة ويسهم في تحقيق التنمية الشاملة التي هي
الهدف الأسمى للنظام الاقتصادي الإسلامي.
1-3-2 معيار مكافحة الفقر وتحسين توزيع الدخل والثروة:
يمكن للمشروعات الاستثمارية التي يتم تمويلها أن تساهم
في مكافحة الفقر بطريقتين هما:
أ- إعطاء وزناً
أكبر لإنتاج السلع والخدمات التي تصنف ضمن الضروريات والحاجيات، وهي التي ينفق
الفقراء غالب دخلهم عليها، مما يساهم عادة في تخفيض أسعارها وزيادة فائض الاستهلاك
المتولد منها.
ب- إعطاء وزن أكبر للدخل الذي يولده المشروع ويذهب للفقراء،
وهذا يعني أن الوزن الأكبر يكون للدخل الذي يحقق الكفاية أو يقل عنها بالمقارنة مع
الدخل الذي يزيد عن مستوى الكفاية.
ويلاحظ أن ضمان
الضروريات لكل فرد في المجتمع ومكافحة الفقر هو أشد تأكيداً في سلم القيم
الإسلامية من تحسين توزيع الدخل والثروة وليس الدخل فقط. فالإسلام لا يشترط تلبية
احتياجات كل فرد فحسب، بل يؤكد أيضاً على التوزيع العادل للدخل والثروة.
1-3-3 التوزيع العادل للثروة:
يقصد به تعميم منافع الاستثمار على جميع عناصر الإنتاج التي شاركت في
العملية الإنتاجية فضلاً عن الاهتمام بتوزيع تلك المنافع على المناطق والجهات والأجيال
القادمة، فالغاية من الاستثمار ليست تحقيق أهداف وغايات جهة محددة وإنما تحقيق
إنسانية الإنسان ليعمر الأرض ويحييها بالعمل الصالح وبالتالي تحقيق الجوانب
الاجتماعية للمجتمع من خلال مشاركة جميع عناصر الإنتاج في عمليات أعمار الأرض ومن
ثم التوزيع العادل للمنافع.
1-3-4 رعاية مصالح الأحياء والأجيال القادمة من بعدنا:
من المعلوم في الدين الإسلامي أن جزاء الأعمال يرتبط
بأثرها ليس فقط في حياة الإنسان بل بعد موته إلى يوم القيامة، وهذا يعني أن تقييم
المشروع إسلامياً يجب أن يحتسب فيه آثاره على مصالح الأحياء من بعدنا مهما بعدوا.
1-3-5 توليد رزق كافي لعدد أكبر من الأحياء:
يمكن اعتبار الاستثمار أفضل كلما ساعد عدداً أكبر من
الناس على تحصيل دخل كاف في صورة دخل ثابت في نظير العمل أو تقديم الخدمة ودخل غير
ثابت في نظير تقديم المال، وهذا يعني أن توليد الاستثمار للرزق في صورة أجور
وإيجارات وأرباح هو هدف إسلامي رئيسي.
1-3-6 معيار تجنب تلوث البيئة والأضرار بالأحياء:
لقد اهتم الإسلام بالمحافظة على المجتمع وعدم الإضرار بالآخرين، وأساس ذلك قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار". كما حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على المحافظة على البيئة وعدم تلوثها والاستمرار في إدامتها حتى قيام الساعة، حيث قال عليه
الصلاة والسلام" إذ قامت الساعة وفي يد أحدكم الفسيلة، فإن استطاع
أن لا تقوم الساعة حتى يغرسها فليغرسها"، وأمر بإزالة كل ما يؤذى الناس فقال صلى الله عليه وسلم:
"إماطة الأذى عن
الطريق صدقة".
فلا
يجوز من ناحية شرعية إحداث تلوث البيئة أو الضوضاء دون عمل الترتيبات اللازمة لمنع
هذه الآثار الضارة، وفي مقدمة هذه الترتيبات إدخال تكلفة تنقية الجو وتحسين البيئة
المادية في حسابات تكلفة المشروع المراد تمويله، حيث أن المسؤولية تقع على عاتق
الممول والمستثمر المسلم بدافع من ضميره قبل أن تلزمه قوانين الدولة بعدم الإضرار
بالبيئة والأخرين، لأن الدولة من واجبها إيقاف أي مشروع استثماري يلحق الضرر
بالمجتمع.
1-3-7
معيار أثر المشروع الاستثماري المراد تمويله على توظيف العمالة:
وينص هذا المعيار على أن يكون أحد الأوجه التي يجب
مراعاتها عند تقييم المشروعات المراد تمويلها هو حجم العمالة التي سيستقطبها
المشروع للعمل فيه، بما يحد من البطالة في بيئة المشروع المحيطة مما يجنب
المجتمعات الوقوع في الكثير من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على تفشي
البطالة في تلك البيئات والمجتمعات، وهو ما تشير إليه علوم المنظمات الحديثة
بالمسؤولية الاجتماعية للمنظمات.
[1] البشير، عبد اللطيف، والتونسي،
عبدالقادر، 2010، "المعايير الشرعية والاقتصادية للتمويل في المصارف
الإسلامية"، بحث مقدم لمؤتمر "الخدمات المالية الإسلامية"
الثاني المنعقد خلال27-28 إبريل في طرابلس– ليبيا، ص9
[2] ريحان، بكر، يونيو 2006، "صيغ التمويل
والاستثمار في المصارف الإسلامية"، البنك الإسلامي الأردني للتمويل
والاستثمار، عمان- الأردن، ص 34.
[4] البشير، عبد اللطيف، والتونسي، عبدالقادر، 2010، مرجع سبق ذكره، ص 13.
[5] بن مسعودة، ميلود ، 2008، "معايير التمويل
والاستثمار في البنوك الإسلامية"، رسالة ماجستير في الاقتصاد
الإسلامي، جامعة الحاج لخضر / باتنة، كلية العلوم الاجتماعية والعلوم الإسلامية،
الجزائر، ص 77 - 78
[6] حناوي، محمد صالح ، 2005، "دراسات جدوى المشروع – الأساسيات
والمفاهيم" ، الدار الجامعية، الاسكندرية، ص 223- 225
* الدكتور أنس الزرقا: باحث إسلامي معروف متخصص في القضايا
الاقتصادية والتمويل الاسلامي – جامعة الملك عبد العزيز - السعودية
[7] سمحان، حسين محمد، 2009، "نحو استخدام مؤشرات
مالية إسلامية في تقييم المشروعات الاقتصادية"، مجلة اقتصاديات شمال
إفريقيا – العدد السابع، جامعة الشلف،
الجزائر، ص 108 - 109
-
زردق،
أحمد عبد الرحيم، وبسيوني، محمد سعيد، 2011، مرجع سبق ذكره، ص 296-299
-
البشير،
عبد اللطيف، والتونسي، عبدالقادر، 2010، مرجع سبق ذكره، ص 14-20
-
البشير،
عبد اللطيف، والتونسي، عبدالقادر، 2010، مرجع سبق ذكره، ص 16 -
18
- ليلي، مقدم، وسمير، طعيبة محمد، 23 – 24 شباط 2011، "معايير
إتخاذ قرار الإستثمار من منظور الاقتصاد الإسلامي"، بحث مقدم ضمن الملتقى الدولي بعنوان (الاقتصاد الإسلامي: الواقع ورهانات
المستقبل) المنعقد في المنعقد في جامعة غرداية – الجزائر، ص 8- 14
تعليقات: 0
إرسال تعليق