الربحية القومية للمشاريع

دليل منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية "UNIDO":

 مقدمة:

يمثل هذا المنهج مجموعة خبرات منظمة التنمية الصناعية التابعة للأمم المتحدة فيما يتعلق بإعداد وتقييم المشروع الصناعي والتي بدأ نشاطها في هذا المجال عام 1965 في الندوة الإقليمية التي عقدت ببراغ والتي أخذت توصياتها كأساس لإعداد إرشادات تتبعها الدول النامية عند تقييم واختيار المشروعات الصناعية. وقد ظهرت تلك الإرشادات عام 1972 وسميت بمنهج اليونيدو الأصلي* وذلك تمييزاً لها عن التغيير الكبير الذي حدث في عام 1978، لدرجة اعتبار هذه التعديلات بمثابة منهج جديد* باسم منهج اليونيدو العملي[1].  ويمكن تقسيم منهج اليونيدو في تقييم المشروعات إلى ثلاثة أنواع هي[2]:

                     أ‌-     المنهج الأصلي:

وهو المنهج الذي عرضته اليونيدو في دليل المبادئ التوجيهية لتقييم المشاريع عام 1972 ويمكن تطبيقه في الدول التي تتوفر فيها الإحصاءات والبيانات الاقتصادية التفصيلية اللازمة لأساليب التحليل الاقتصادي والاجتماعي المعقدة المتبعة في هذا المنهج.

                   ب‌-    المنهج العملي:

وهو المنهج الذي طرحته اليونيدو في دليل التقييم العملي للمشاريع عام 1978 والمتضمن تبسيط المنهج الأساسي لكي يكون أكثر ملائمة للدول النامية بسبب ظروف اقتصاداتها من جهة وعدم توفر البيانات والإحصاءات المطلوبة.

                   ت‌-      المنهج المشترك (الايدكاس، أو الإيدو) **:

وهو المنهج الذي تم إعداده من قبل اليونيدو ومنظمة التنمية الصناعية للدول العربية لاستخدامه من قبل المؤسسات الصناعية في الدول العربية (منهج الايدكاس). وقد عرض هذا المنهج في "دليل التقييم والمفاضلة بين المشروعات الصناعية للدول العربية" في عام 1980.

وسوف أشرح في هذه المقالة المنهج الأصلي، أما المنهجين الأخرين سوف أشرحهما لاحقاً ( كل منهما بمقالة منفصلة عن الأخرى).


 *************************

1- المنهج الأصلي لليونيدو:

1-1        الخصائص العامة للمنهج الأصلي:

*  يعتمد هذا المنهج على استعداد المستهلك للدفع ومدى رغبته في ذلك بطريقة قياس صافي عائد المشروع، ويتم قياس صافي عائد المشروع بمقدار السلع والخدمات التي يقدمها المشروع للاقتصاد القومي، والتي لا يمكن الحصول عليها دون وجود هذا المشروع المقترح. وباتباع هذه الطريقة ينظر إلى تكاليف المشروع على أنها تكلفة الفرصة البديلة التي خسرها المجتمع نتيجة استعماله موارد هذا المشروع[3].

*  تستند عملية التقييم بالنسبة لهذا المنهج على هدف تحقيق المزيج الأمثل لمجموعة الأهداف الوطنية نظراً لصعوبة اعتبار هدف واحد كممثل لبقية الأهداف بشكل ضمني، إلا إنه ركز في النهاية على هدفين أساسيين باعتبارهما هدفين من الاتساع والشمول بالقدر الذي يتضمن العديد من الأهداف الفرعية الأخرى التي يسعى المجتمع إلى تحقيقيها, والهدفان هما[4]:

أ.  هدف تعظيم الاستهلاك الكلي للأفراد بالمجتمع حاضراً ومستقبلاً، وذلك بغرض زيادة متوسط نصيب الفرد من الاستهلاك الكلي، ومن ثم زيادة مستوى الرفاهية لأفراد الجيل الحالي والأجيال المقبلة، وفي ضوء هذا الهدف فإن الحكم على كفاءة وأفضلية مشروع مقترح يتم على أساس المساهمة الصافية لهذا المشروع في الاستهلاك الكلي لأفراد المجتمع في الحاضر والمستقبل.

ب.  الحد من تفاوت الدخول سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى المناطق والأقاليم داخل البلد الواحد وبذلك تعتبر إعادة توزيع الدخل لصالح الطبقات الفقيرة والأقاليم المتخلفة من الأهداف الرئيسة التي يتعين أخذها بالحسبان عند تقييم المشاريع.

      إضافة إلى هذين الهدفين الرئيسيين هناك جملة من الأهداف الفرعية التي تنعكس بشكل مباشر وغير مباشر على الأهداف الرئيسة مثل هدف العمالة والتقليل من البطالة، وهدف تعظيم حصيلة الدولة من النقد الأجنبي وميزان المدفوعات..الخ. إذ أن هدف زيادة الاستهلاك الكلي حالياً ومستقبلاً تتطلب زيادة الطاقات الإنتاجية مما يتطلب إقامة مشاريع جديدة، وبالتالي زيادة الطلب على العمال، وزيادة التوظف وانخفاض معدلات البطالة، وهكذا.

*    يميز هذا المنهج بين مجموعات مختلفة من القيم نظراً لأهميتها في تقييم المشاريع، فهو يميز بين الأوزان، (وهي أحكام بقيم سياسية، وتعبير كمي للأهمية النسبية للأهداف المختلفة للمشروع مثل إعادة توزيع الدخل أو أية أهداف أخرى للحكومة)، وأسعار الظل المستمدة من هذه الأحكام ومن المعلومات التقنية، ويجب أن تتفق الأوزان مع الأهداف الوطنية وأن يتم اعتمادها في المستويات الحكومية العليا، كما أن العديد من أسعار الظل، والتي تظهر خصائص محددة للمشروع وبيئته، يتم حسابها وبشكل مناسب من المستوى الميداني[5].

*    يعتمد هذا المنهج على افتراض أن أي منهجية لتحليل التكاليف والفوائد يمكن أن يكون لها، في أحسن الأحوال، تأثير متواضع على الإطار العام للسياسة الاقتصادية[6].

*    يرى هذا المنهج أن[7]:

o  أسعار السوق في البلدان النامية لا تعبر عن الأسعار الحقيقية من وجهة نظر المجتمع.

o  إن الأجور المدفوعة للعمال غالباً ما تكون أكبر من الأجور الحقيقية، ولذلك فإن السعي للوصول إلى حالة كفاءة استخدام الموارد يستلزم ضرورة تعديل الأجور الفعلية للعمالة، والعمالة غير الماهرة بشكل خاص.

o  إن معدل الفائدة السائد في الدول النامية غالباً ما يكون مدعوماً من قبل الحكومات لغرض تشجيع الاستثمار في مجلات معينة. إضافة إلى وجود امتيازات جمركية معينة للسلع الرأسمالية، إن مثل هذه التدخلات الحكومية تؤدي إلى تشويه هيكل الأسعار والتكاليف، الأمر الذي الذي يجعل الأرباح والخسائر المالية بموجب الأسعار السوقية لا تعكس الأرباح والخسائر الاجتماعية مما يستلزم إزالة آثار هذه التشوهات.

*    يؤكد هذا المنهج على ضرورة عدم إغفال الربحية التجارية، حتى عند بحث الربحية الاجتماعية من طرف الجهات الحكومية القائمة على عملية تقييم المشاريع، فالحكومة عندما تقيّم مشاريع القطاع الخاص بصفتها مصرف التنمية أو الجهة المتحكمة بسعر الصرف أو مواد أولية محددة، لا يمكن لها أن تتجاهل الربحية التجارية لهذه المشاريع[8].

*  مصادر أسعار الظل[9]: يوصي هذا المنهج بثلاثة مصادر مختلفة لأسعار الظل تعتمد على أثر المشروع على الاقتصاد من خلال استخدام وإنتاج الموارد، فمن الممكن لأي مورد أن يؤثر في:
العرض المتاح لبقية قطاعات الاقتصاد، مستوى إنتاجه في بقية قطاعات الاقتصاد، مستوى الواردات أو الصادرات من الموارد.
     من حيث إنتاج المخرجات فإن المشروع يمكن أن يؤثر في: زيادة الاستهلاك الكلي في الاقتصاد، انخفاض الإنتاج في أجزاء أخرى من الاقتصاد، انخفاض الواردات أو زيادة الصادرات.
فالآثار الطبيعية لاستهلاك المشروع من المدخلات قد تكون: نقص الاستهلاك في بقية قطاعات الاقتصاد، زيادة الإنتاج للموارد ضمن الاقتصاد، زيادة الواردات أو انخفاض الصادرات.

فيمايلي جدول (2-2) يوضح أثر المشروع وما يقابله من أسعار الظل وفق المنهج الأصلي لليونيدو:


الأثر
أساس أسعار الظل
الاستهلاك ضمن الاقتصاد
استعداد المستهلكين للدفع
الإنتاج ضمن الاقتصاد
تكلفة الإنتاج
التجارة الدولية
قيمة النقد الأجنبي (سعر الحدود)

*    يتم تقييم المشروع وفق هذا المنهج  بأربع مراحل رئيسة هي[10]:

                    أ‌-      احتساب الربحية التجارية بأسعار السوق.
                  ب‌-    احتساب المنافع المتأتية من صافي إجمالي الاستهلاك بأسعار الظل.
                  ت‌-    إجراء التعديلات المتعلقة بأثر المشروع على الاستهلاك والاستثمار.
                  ث‌-    إجراء التعديلات المتعلقة بأثر المشروع على أهداف اجتماعية أخرى مثل إعادة توزيع الدخل.

*    اختيار المشاريع:

يتم اختيار المشاريع بالاعتماد على القيمة الحالية الصافية وتتم المفاضلة بين المشاريع على هذا الأساس فتقبل المشاريع التي تحقق قيمة موجبة وترفض المشاريع التي تعطي قيمة سالبة[11]. ويتم ذلك من خلال احتساب المنافع والتكاليف للمشروع لكل سنة من سنوات عمره الاقتصادي، حيث يتم الحصول على صافي المنافع التي يحققها سنوياً، وعندئذ يتم خصم قيمة صافي المنفعة لتلك السنة إلى الحاضر (أو نقطة البداية أو نقطة الصفر) وذلك باستخدام معامل الخصم الاجتماعي, وتكرر هذه العملية لكل سنة من سنوات العمر الاقتصادي للمشروع، بعد الإنتهاء من ذلك يستخرج محصلة المجموع الجبري لناتج القيم الحالية لكل سنة من سنوات العمر الاقتصادي للمشروع، والتي هي صافي منافع إجمالي الاستهلاك الحالية له، فإذا كانت النتيجة موجبة (أكبر من الواحد الصحيح) يكون المشروع مجدياً من الناحية الاقتصادية. أما إذا كانت النتيجة سالبة (أقل من الواحد الصحيح) فيكون المشروع غير مجد اقتصادياً[12].

*   يهدف هذا المنهج إلى توفير الخطوط العامة الاستدلالية لتقييم المشروعات الصناعية في الدول النامية من وجهة نظر الاقتصاد الوطني، مما يعني أنه لا يمكن استخدامه كدليل تفصيلي لعمليات التقييم مبرراً  ذلك بأن هذا المستوى من التفصيل لا ينطبق إلا على عدد محدود من الدول التي تتشابه ظروفها مع الظروف والخصائص المذكورة في الدليل، خصوصاً أن إعداد أدلة تفصيلية يعتمد على وجود خبراء على دراية كافية بالهياكل الاقتصادية والاجتماعية والنظم السياسية لتلك البلدان، على اعتبار أن أسعار الظل والأوزان المستخدمة في تقييم المشروعات تعتمد على الأنماط المؤسسية السائدة بنفس قدر اعتمادها على الاعتبارات التكنولوجية، وتوفر الموارد[13]. وهو ما تم مراعاته بالنسبة لدليل تقييم المشروعات الصناعية الدول العربية الذي تم وضعه من قبل الاقتصاديين العرب والمتخصصين بمركز التنمية الصناعية للدول العربية (إيدكاس) عام 1980، بالاشتراك مع خبراء من منظمة الأمم المتحدة.




* صدرت هذه الإرشادات في كتاب بعنوان "الخطوط الإرشادية لتقييم المشروعات" 1972:
Partha DasGupta, AmartyaSen and Stephen Marglin, "Guidelines for Project Evaluation", United Nations Industrial Development Organization (UNIDO), Vienna, Project Formulation and Evaluation series N° 2, 1972
** نظراً لأهمية هذا المنهج فإنه سيتم دراسته بشكل منفصل وأكثر عمقاً من المنهجين الأصلي والعملي.
[1] علام، سعد طه، 2006، مرجع سبق ذكره، ص 263.
[2] كجة جي، صباح اسطيفان، 2008، مرجع سبق ذكره، ص 172.
[3] عمرو هشام محمد، مرجع سبق ذكره، ص 25.
[4] Edited by D. Donahue, John, 1980, "Cost –Benefit  Analysis And Project  Design", United States Agency for International  Development, USA  , P 58
[5] Edited by D. Donahue, John, 1980, op, cit, P 56
[6] المرجع السابق، ص 62
[7] القريشي، مدحت، 2009، مرجع سبق ذكره، ص 149.
[8] Edited by D. Donahue, John, 1980, op, cit, P 57
[9] R.Hansen, John, 1973, "A Guide to the Guidelines: The UNIDO Method of Economic Project Evaluation",  International Bank For Reconstruction And Development, p 13-14
[10]  R.Hansen, John, 1973, op, cit, p 3-4
[11] محمد، عمرو هشام ، 2008، مرجع سبق ذكره، ص 24.
[12] كجة جي، صباح اسطيفان، 2008، مرجع سبق ذكره، ص 174.
[13] Edited by D. Donahue, John, 1980, op, cit, P 61 
مروان المعلم / ماجستير بالاقتصاد المالي والنقدي
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع آفاق .

جديد قسم : التحليل الاقتصادي للمشاريع (الربحية القومية)

إرسال تعليق