History-Economic-Analysis

لمحة تاريخية عن التحليل الاقتصادي للمشاريع

تمتد جذور دراسات الجدوى إلى بداية ظهور تحليل المنافع- التكاليف Cost Analysis (BCA) - Benefit  ، وترجع أول ممارسة لتحليل المنافع- التكاليف، الذي يهدف إلى تخصيص الموارد في استخداماتها المثلى، إلى عام 1936 عندما صدر ما يسمى بقانون التحكم في الفيضان Flood control AC بالولايات المتحدة الأمريكية، وقد كان هذا القانون يجيز إقامة مشروعات مقاومة الفيضان فقط إذا تفوقت منافعها على تكاليفها، ولم يحتو هذا القانون بالطبع على القواعد الأساسية التي يتعين إتباعها عند تقييم المشروعات، حيث استند التحليل إلى مدخل اقتصاديات الرفاه، الأمر الذي فتح المجال ولأول مرة أمام تقييم المشروعات على أساس صافي المنفعة التي تحققها، والتقويم* الاجتماعي لهذه المنفعة[1].
    
وظهر أول عمل يحتوي على المبادئ الأساسية لتحليل المنافع - التكاليف عام 1950 في صورة كتاب عنوانه "الممارسات المقترحة للتحليل الاقتصادي لمشروعات حوض النهر" وقام بإعداد هذا الكتاب لجنة فيدرالية بالولايات المتحدة الأمريكية كلفت بذلك وعرف هذا العمل آنذاك بالكتاب الأخضر Green Book، والذي تضمن تطوراً مهماً مثل[2]:

·      ضرورة تسعير بنود المدخلات وفقاً لتكلفة الفرصة البديلة أي أسعار الكفاءة أو الأسعار الحقيقية.
·  عدم قصر التحليل على التكاليف والعوائد المباشرة بل يجب أن تشمل أيضاً التكاليف غير مباشرة كالتكاليف البيئة والاجتماعية.
·      هناك عوامل خارجية وتأثيرات أخرى غير مباشرة وغير ملموسة مثل تأثيرات المناخ والصحة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار.
      
          أما في الفكر المعاصر، فقد قامت بعض المنظمات الدولية والإقليمية المهتمة بشؤون التنمية, نتيجة تزايد الاهتمام بتحليل "المنفعة - التكلفة" للمشاريع وآثارها على المستوى الوطني، بإصدار العديد من منهجيات تقييم المشروعات على المستوى القومي تجلى ذلك بظهور العديد من المدارس الفكرية والمناهج متفقة على مجموعة من الخصائص العامة في حين تختلف فيما بينها في التفاصيل سواء فيما يتعلق بالأهداف أو أساليب التسعير أو معدلات الخصم أو المعايير المستخدمة في نطاق التقييم، وترجع هذه الاختلافات في معظمها إلى اختلاف الأهداف التي يتبناها المنهج سواء كانت متعلقة بجانب الكفاءة وحده أو الكفاءة والنمو أو شاملة لآثار التوزيع والاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية التي تحتويها برامج التنمية.
     

ومن أهم الأعمال والكتابات التي حاولت وضع المبادئ والقواعد الأساسية المتبعة في تقييم المشاريع*هي:

·    "دليل تحليل المشروع الصناعي":

    دليل منظمة التعاون الاقتصادي OECD عام 1969 أعده كل من الأستاذينLitlle and Mireless  وسمي "دليل تحليل المشروع الصناعي"، وتم تطويره عام 1974 على يد نفس الأستاذين السابقين، كما صدر لنفس الأستاذين كتاب بدعم من ذات المنظمة عام 1982 بعنوان "تقييم المشروعات والتخطيط بالبلدان النامية".

·    "اليونيدو لتقييم المشاريع":

    دليل لإعداد دراسات الجدوى الاقتصادية من منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية عام 1972 بعنوان "اليونيدو لتقييم المشاريع"  "UNIDO guideline for project evaluation" وطور عام 1993, وقد صدر لنفس المنظمة العديد من الأدلة في نفس المجال مثل "دليل إعداد دراسات الجدوى الصناعية" والذي تم تطويره عام 1991 في الطبعة الثانية وقد صاحب هذه الطبعة برنامج حاسوب (COMFAR) ""computer model for feasibility analysis and reporting وإن كان الجيل الأول من هذا البرنامج قد ظهر عام 1983 فقد تم تطويره حتى ظهر الجيل الثاني منه عام 1995 (COMFAR3 expert).

·     التحليل الاقتصادي للمشروعات:


 دليل البنك الدولي عام 1975 بعنوان "word bank guideline"، كما صدر له دليل آخر عام 1984 تحت عنوان "التحليل الاقتصادي للمشروعات"
 "economic analysis of project"   من إعداد "Squire, Van Der Tak" .


·    الدليل الصادر عن بنك التنمية الآسيوي:


         عام 1997 والذي يعتبر نسخة منقحة عن الدليل الصادر عام 1987.

      وبفضل هذه الأعمال بدأ يتبلور هذا الموضوع ليشكل أحد الفروع الهامة في الاقتصاد التطبيقي ويستمد منهجيته من النظرية الاقتصادية بشقيها الجزئي والكلي ومتأثراً إلى جانب ذلك ببعض العلوم الأخرى مثل المحاسبة والإدارة وبحوث العمليات والمعلوماتية.
     
        ومن الجدير ذكره أن جون مينارد كينز قد تعرض لدراسات الجدوى وتقييم المشروعات وخاصة عندما تناول في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي معدل العائد على الاستثمار وفكرة تكلفة رأس المال والكفاية الحدية لرأس المال[3].
      
          ويمكن القول أن منهجية التحليل الاقتصادي للمشاريع* قد تم وضعها في أواخر الستينات وأوائل السبعينات، عندما كان تدخل الحكومة في إنتاج السلع والخدمات شائعاً في ذلك الوقت، فكثيراً ما حاولت الحكومات التأثير على النشاط الاقتصادي من خلال الملكية العامة للأصول، وضوابط الأسعار، والضرائب والإعانات، ونظام الحصص وغيرها، ونتيجة لذلك، فإن البيئة الاقتصادية والسياسية للمشاريع التي يجري تنفيذها كانت مليئة بالتشوهات، مما استدعت الضرورة إلى نشوء التحليل الاقتصادي للمشاريع بهدف توجيه قرارات الاستثمار الحكومية في إنتاج السلع والخدمات في بيئات كانت مشوهة للغاية، حيث حاولت منهجية التحليل الاقتصادي للمشاريع الإجابة على السؤال التالي: هل هذا الاستثمار سيزيد الرفاهية للمجتمع ككل؟ أو سيؤدي إلى إشباع المزيد من الحاجات؟  وبما أن أسعار السوق كانت لا تعتبر دليل جيد ليعبر عن التكلفة الاقتصادية للموارد، فإنها كانت ذات استخدام قليل في الإجابة عن هذا السؤال، حيث استخدمت أسعار الظل التي تعكس تكاليف الفرصة الاجتماعية بغية الحصول على الأسعار الصحيحة (للتعويض عن أثر التشوهات) لتقييم الفوائد الصافية للمشروع[4].
      
             وقد اتجهت الأساليب التقليدية لتقييم المشاريع الاستثمارية في بعض المناهج لإجراء التحليل الاقتصادي بمعزل عن التحليل المالي ((Asian Development Bank 1987; Dasgupta, Marglin, and Sen 1972; Little and Mirrlees 1979, 1982، ولكن الانهيارات المتكررة لعدد من مشاريع التنمية في جميع أنحاء العالم خلال فترة الثمانينات، أجبرت محللي المشروع للنظر في استدامة هذه الاستثمارات, إضافة إلى ذلك، وجود حاجة مستمرة لتحديد الفئات في المجتمع التي ستستفيد من المشروع وتلك التي سوف تتحمل في النهاية تكاليفه.
     
         ففي بيئة تحرير التجارة وإصلاح السياسات الاقتصادية، فإن السياسات الاقتصادية والتي تدعم مالياً مشروع ما، بحيث تؤدي إلى حدوث تشوهات اقتصادية، تصبح أحد المصادر الرئيسة للخطر المالي، ومثال على ذلك حالات الإفلاس التي أصابت العديد من المشاريع في قطاع التطوير العقاري في ماليزيا في فترة الثمانينات، وذلك بسبب سياسة التقشف التي انتهجتها الحكومة في الدعم لمثل هذه المشاريع، كما أن انخفاض معدل الحماية التجارية في إندونيسيا والأرجنتين حيث نتج عن ذلك تراجع كبير في الربحية المالية لبعض المشاريع الصناعية، لذلك من المهم أن تتم مقارنة الأداء الاقتصادي والمالي المحتملين للمشروع على أساس الفترة تلو الفترة، فمن الصعب تقييم المخاطر المالية للمشروع الناجمة عن انخفاض أو زيادة التشوهات الاقتصادية[5].





* هناك فرق بين التقييم والتقويم: التقييم هو مجرد إصدار أحكام، أما التقويم: فيتضمن إصدار الأحكام مقترنة بخطط تعديل المسار، وتصويب الاتجاه في ضوء ما تُسفر عنه البيانات من معلومات.
[1] أبو عمر، واثق حمد، 2003، "أساسيات دراسات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية تقييم المشروعات الخاصة والعامة"، سلسلة الرضا للتنمية الإدارية، دمشق، ص 165
[2] علام، سعد طه ، 2006، "دراسات الجدوى وتقييم المشروعات"، دار الفرقد للطباعة والنشر، سورية, ص 256
* سيتم دراسة مناهج تقييم المشاريع بشكل مفصل في بحث لاحق.
[3] عبد الحميد، عبد المطلب، 2006، "دراسات الجدوى الاقتصادية لاتخاذ القرارات الاستثمارية"، الدار الجامعية، الطبعة الثانية، الإسكندرية، ص 23
* منهجية التحليل الاقتصادي للمشاريع يقصد بها الطريقة التي يتم من خلالها إعداد التحليل الاقتصادي وحساب مؤشراته، وهذا الموضوع سيتم لاحقاً المبحث فيه بشكل موسع.
[4] Belli, Pedro, 1996, "Is Economic Analysis of Projects Still Useful?" , World Bank, Operations Policy Department, , p 1
[5] P. Jenkin, Glenn, 1996, "The Economic Evaluation of Projects", The International Bank for Reconstruction and Development / The World Bank Washington, D. C,  p 99 - 100
مروان المعلم / ماجستير بالاقتصاد المالي والنقدي
كاتب المقالة
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع آفاق .

جديد قسم : التحليل الاقتصادي للمشاريع (الربحية القومية)

إرسال تعليق