دراسة الجدوى الاقتصادية وتقييم البدائل الاستثمارية وفق المنهج الإسلامي:
أهمية
المنهج الإسلامي في تقييم المشاريع ومعرفة أثرها على
الاقتصاد القومي:
لقد تبين من خلال المناهج السابقة التي وضعت لتقييم المشروعات
الاستثمارية أنها تقوم على أساس نظام الفائدة ومنهج القيمة الحالية
للتدفقات النقدية المتوقعة والتي تحسب أيضاً على أساس معدل الفائدة، وباعتبار أن الإسلام يرفض تماماً الفائدة الربوية ويشترط الشرعية لأي مشروع استثماري، كما أنه يهتم بالجوانب الإيمانية والأخلاقية والاجتماعية للاستثمار، لذلك فإن تلك المناهج لا تتناسب لاستثمار المال مع الفكر الإسلامي، ولا بد أن يكون هناك منهج إسلامي لدراسة جدوى وتقويم المشروعات الاستثمارية يقوم على قيم ومعايير إسلامية.
ومما زاد من أهمية وجود المنهج الإسلامي،
لدرجة الضرورة الحتمية، هو
إنشاء العديد من المؤسسات الاقتصادية التي تسعى لتطبيق أحكام وقواعد الشريعة الإسلامية، مثل المصارف الإسلامية، وهيئات ومؤسسات التأمين الإسلامي، وشركات الاستثمار والتي تقوم بتوظيف أموال
المسلمين، وهذه المؤسسات في أشد الحاجة إلى أسس ومعايير ونماذج تساعدها في دراسة جدوى وتقييم المشروعات الإستثمارية من منظور
إسلامي. وبالتالي فإن ظهور هذا الاتجاه يعتبر نتيجة حتمية للدور المتنامي الذي
بدأت تقوم به هذه المؤسسات الاقتصادية الإسلامية في نمو الاقتصاد القومي، حيث لوحظ
في السنوات الأخيرة نمو نشاط البنوك الإسلامية كماً ونوعاً في معظم الدول العربية
والإسلامية وبشكل خاص في سورية، وأصبحت هذه البنوك ركيزة أساسية من ركائز القطاع
المصرفي والاقتصادي لدى معظم هذه الدول.
أساليب
إعداد دراسات الجدوى الاقتصادية وفق المنهج الإسلامي:
لقد
ظهر خلال السنوات الأخيرة في العديد من الدول الإسلامية، المؤسسات المالية الإسلامية
التي حاولت وبدرجات متفاوتة من النجاح تطبيق أساسيات الاقتصاد الإسلامي، حيث تبين
أن نجاح تطبيق هذه الأساسيات لا يتوقف فقط على إنشاء مؤسسات مالية تستند على أحكام
الشريعة الإسلامية، بل لا بد أيضاً من قيام مشروعات صناعية وزراعية وتجارية
وتجارية تستند على هذه الأحكام. ونقطة البداية هي في التخطيط لقيام هذه المشروعات
والقيام بدراسات جدوى تتبنى هذه المفاهيم الإسلامية، وبعد ذلك يتم الالتزام بأحكام
الشريعة السمحاء في إدارة هذه المشروعات وفي تنفيذها أعمالها لتحقيق الأهداف
المرجوة منها.
إن دراسة الجدوى الاقتصادية
للمشاريع وفق المنهج الإسلامي بالاعتماد فقط على أسلوب رفض أو قبول مع ما يتعارض
مع المعايير التي تم ذكرها سابقاً، قد يمثل عقبة حقيقية في طريق التطبيق الفعلي
للاقتصاد الإسلامي بكامل جوانبه، وبالتالي لا بد من تنمية الأساليب والمعايير
المناسبة لإعداد دراسات الجدوى والتي تتماشى مع نصوص الشريعة الإسلامية.
وقد أظهرت الطرق التقليدية في تقييم
المشروعات (أسلوب صافي التدفقات النقدية، فترة الاسترداد، معدل العائد الداخلي،..
) أنها لا تترك مجالاً للتعبير عن القيم عموماً والقيم الإسلامية خصوصاً، فهذه الطرق لا تقيم وزناً إلا لقيمة
واحدة وهي الربحية، أضف إلى ذلك وجود سؤال في غاية الأهمية وهو: كيف يمكن مراعاة
هذه المعايير معاً بمعنى كيف يمكن المفاضلة بين مشروعين أحدهما يساهم كثيراً في
حفظ المال وتنميته، لكنه لا يقدم إلا القليل من فرص العمل للفقراء، بينما المشروع
الأخر يفعل العكس؟.
هذا كله دفع بعض الباحثين في مجال الاقتصاد الإسلامي بتقديم مجموعة من
المقترحات تتضمن أساليب وصيغ متعددة تصلح لدراسة الجدوى الاقتصادية للمشاريع
وتقييمها وفق المنهج الإسلامي، أهمها:
2-1
المقترح الأول:
دالة المصلحة الإسلامية (مقترح الدكتور أنس الزرقا):
اقترح الدكتور محمد أنس الزرقا في بحثه "القيم
والمعايير الإسلامية في تقويم المشروعات الاستثمارية" نموذجاً رياضياً يساعد
في عملية التقويم ويعتمد هذا النموذج على خمسة معايير أساسية* لتقويم
المشروعات الاستثمارية في المنهج الإسلامي هي[1]:
1
– معيار اختيار طيبات المشروع وفق الأولويات الإسلامية.
2
– معيار توليد رزق رغد لأكبر عدد من الأحياء.
3
– معيار مكافحة الفقر وتحسين توزيع الدخل والثروة.
4
– معيار حفظ المال وتنميته.
5
– معيار رعاية مصالح الأحياء من بعدنا.
وقد وضعت هذه المعايير السابقة في نموذج
رياضي أطلق عليه اسم "دالة المصلحة الإسلامية" والتي تعبر عن المعايير
المتصلة باختيار المشروعات، وبين الدكتور الزرقا من خلال هذا النموذج طريقة حساب
ثوابت هذه الدالة وكيفية استخدامها لإعطاء ترجيح رقمي للبدائل المختلفة لمشروع
استثماري بغية اختيار أكثر تحقيقاً للمصلحة الإسلامية. وقد وجد بعض المختصين[2] أن
هذا المقترح يصلح أن يكون بديلاً عن معيار الربحية القومية المعروف لذا ينصح
باستخدامه من قبل الدولة.
2-2
المقترح
الثاني: صافي القيمة المضافة الإسلامية (مقترح الدكتور سيد الهواري):
يقدم الدكتور سيد الهواري هذا المعيار
لقياس الربحية الاقتصادية والاجتماعية من منظور مصرفي إسلامي (دراسة جدوى أنشطة
المصارف الإسلامية)، فالقيمة المضافة هي الفرق بين قيمة المخرجات وقيمة المدخلات،
وهي تقسم بين عنصرين هما العمل ورأس المال[3]:
o أما
العمل فنصيبه هو: أجور ومرتبات الموظفين ومكافآتهم بما فيهم المدراء والمستشارين
إضافة إلى التأمينات الاجتماعية.
o أما
رأس المال فنصيبه الفائض الاجتماعي ممثلاً بالإندثار وأقساط مشاركات وضرائب دخل
وجمارك وأرباح محتجزة وإيجارات.
وقد
أوضح الدكتور الهواري أن القيمة المضافة كمؤشر للربحية الاقتصادية القومية مفهوم
عملي وشامل وشفاف ويفيد في قياس إجمالي إضافة المشروع إلى الدخل القومي مفصلة إلى
عناصرها المختلفة، وأنه يتوافق مع متطلبات المخططين وصانعي السياسة الاقتصادية أي
أنه يصلح للتطبيق من وجهة نظر المجتمع فقط دون وجهة نظر المشروع الخاص، الأمر الذي
تمت معالجته في المقترح التالي.
2-3
المقترح
الثالث: المعيار الإسلامي للعائد الخاص (مقترح الدكتورة كوثر الأبجي)[4]:
توصلت
الدكتور كوثر الأبجي إلى هذا المقترح بعد دراسة المقترحين السابقين، حيث وجدت أن
النظر إلى معيار الربحية التجارية وتعظيمه من وجهة نظر المشروع الخاص يعتبر هدفاً
مجرداً لا يصلح لأن يكون معياراً لجدوى الاستثمار في المجتمع الإسلامي، فهو لا
يعبر عن جميع هذه الأهداف الإسلامية المرغوبة. كما أن معيار الربحية القومية
الاجتماعية من الصعب تطبيقه من وجهة نظر المستثمر أو المشروع الخاص لأن:
- الربحية بحد ذاتها هي هدف لا غبار عليه من المنظور الإسلامي.
- المشروعات الخاصة قد لا يتوفر لديها بيانات مفيدة على المستوى القومي لتطبيق هذه المعايير.
- تحقيق الأهداف القومية للمجتمع لا يعتبر من مسؤولية المشروعات الخاص.
لذلك فقد
اقترحت الدكتور كوثر الأبجي معياراً للمشروع الخاص هو "المعيار الإسلامي للعائد الخاص" وهو معيار ثنائي
ذو جانبين:
- الربحية التجارية وهو المعيار المعروف إذ لا يتعارض تحقيق الربح مع القواعد الشرعية، بل يعتبر حافزاً طيباً لاستغلال الموارد المتاحة بكفاءة.
- التكلفة الاجتماعية التي يتحملها المجتمع المحيط بالمشروع نتيجة لقيامه بأنشطته.
فالجانب الأول يقيس عنصراً إيجابياً
خاصاً بالعائد سعياً وراء تضخيمه، والثاني يقيس عنصراً سلبياً يختص بالتكلفة التي
يتكبدها المجتمع نتيجة لهذا الاستثمار، سعياً وراء تدنيتها.
وبالتالي فإن الاستثمار الذي يحقق كلا الهدفين هو الاستثمار الأمثل من وجهة
نظر المشروعات الخاصة.
وقد تناول هذا المقترح وبشكل مفصل وواضح الربحية التجارية مبيناً أساسها
الفكري وطرق قياسها وما هو معدل الخصم الواجب استخدامه في ضوء المنهج الإسلامي وما
هي المؤثرات الأخرى عليها وكيفية قياسها (هذه المؤثرات هي الضرائب النوعية،
الزكاة، التضخم)، كما تناول أيضاً التكلفة الاجتماعية وأساسها الفكري وأنواعها
(تكلفة ملموسة وتكلفة غير ملموسة) وكيفية قياسها في المشروع الخاص[5].
2-4
المقترح الرابع:
طريقة القيمة الحالية باستخدام مفهوم تكلفة الفرصة البديلة (مقترح الدكتور حسين
شحاتة)[6]:
يرى هذا المقترح أن من أهم طرق تقييم
المشروعات الاستثمارية في الفكر الوضعي هما طريقتي: صافي القيمة الحالية، وطريقة
المعدل الداخلي، وكلاهما يقوم على أساس خصم التدفقات النقدية المتوقعة للمشروع
الاستثماري بإستخدام معدل سعر الفائدة المحرمة شرعاً. لذا فإنه من الضروري إيجاد
معدل خصم غير سعر الفائدة. ومن المعروف أن الفكر الإسلامي يؤيد مفهوم تكلفة الفرصة
البديلة كمعيار لتحديد تكلفة رأس المال المستثمر في مشروع معين ولقد طبق هذا
المفهوم في صدر الدولة الإسلامية في مجال التجارة منذ 1400 عام.
وبالتالي فإن هذا المقترح يرى أن تطبيق مفهوم تكلفة الفرصة البديلة يتطلب
إيجاد القيمة الحالية للإيرادات المتوقعة من كل إستثمار حتى يتسنى القيام بعملية
الترتيب، وباعتبار أن سعر الفائدة لا يصلح في إيجاد هذه القيمة الحالية، فيمكن
إستخدام معدل خصم يتمثل بمتوسط النسبة المئوية للأرباح المتوقعة إلى رأس المال
المستثمر.
2-5
المقترح
الخامس: طريقة المحاكمة الذهنية والخبرة طبقاً للمنهج الإسلامي[7]:
تقوم هذه
الطريقة على الاعتماد على الخبرة والبصيرة الواعية وحسن الإدراك وذلك في تقييم
المشروعات الاستثمارية من حيث القبول والرفض على المعايير الإسلامية السابقة، ومن
حيث الأولويات الإسلامية على أساس الضروريات فالحاجيات فالتحسينات.
يشترط فيمن يتولى تطبيق هذه الطريقة مايلي:
o توفر
القيم الإيمانية والأخلاقية.
o توفر
المعرفة التامة للمعايير الإسلامية لتقييم المشروعات.
o حسن
البصيرة وعمق الإدراك والإستنباط.
o الخبرة
المتخصصة فى مجال المشروعات الاستثمارية في مجال التقييم.
o خبرة
عامة عن الأوضاع الاقتصادية.
o الاستعانة
بقدر الإمكان بالأساليب العلمية التي تمكنه من التقدير والتقييم والتنبؤ
بالاحتمالات المتوقعة.
o تقييم
الجوانب المعنوية للمشروع والتي يصعب إخضاعها للقياس كما هو الحال في المشروعات
الاستثمارية الكبيرة، ومهما يكن فيجب أن يكون هناك تزاوجاً بين المحاكمة والخبرة
من ناحية وبين استخدام الأساليب العلمية من ناحية أخرى، ولقد طبقت هذه الطريقة في
صدر الدولة الإسلامية بمعرفة التجار العرب عند القيام برحلاتهم التجارية، كما كانت
تطبق في تقدير وعاء زكاة المال.
[1]الزرقا، محمد أنس، 1982، "القيم والمعايير الإسلامية في تقييم
المشروعات"، مجلة المسلم المعاصر، العدد 31، مصر، ص 88
[2] الأبجي، كوثر ، 1985، "دراسة جدوى الاستثمار
في ضوء أحكام الفقه الإسلامي"، مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي، المجلد
الثاني العدد الثاني، جامعة الملك عبد العزيز، السعودية، ص 7
[3] السبهاني، عبد الجبار حمد عبيد، 2006، "الاستثمار الخاص:
محدداته وموجهاته في اقتصاد إسلامي"، مجلة الشريعة والقانون العدد
السابع والعشرون، جامعة الإمارات العربية المتحدة، كلية القانون، ص 291 - 292
[4] الأبجي، كوثر ، 1985، مرجع سبق ذكره، ص 8 - 9
[5] للمزيد من التفصيل انظر إلى: الأبجي، كوثر ، 1985، "دراسة جدوى
الاستثمار في ضوء أحكام الفقه الإسلامي"، مجلة أبحاث الاقتصاد
الإسلامي، المجلد الثاني العدد الثاني، جامعة الملك عبد العزيز، السعودية، ص 19 -
48
[6] شحاتة، حسين، بدون تاريخ، "المنهج الإسلامي لدراسة الجدوى
الاقتصادية"، مكتبة التقوى ، القاهرة، (الموقع الالكتروني:www.darelmashora.com )، ص 43 – 45
تعليقات: 0
إرسال تعليق